يتحقق من الجهل بالعربية ضرر كبير لا يعرفه الكثير من الناس، ومن أهم هذا الضرر الذي أراه يلحق الجاهل بها فيقع في محذور أو يفوته خير كثير في الدنيا والآخرة ما يأتي.
1- الوقوع في البدع العقدية.
وهذا من أعظم الضرر الحاصل من الجهل بالعربية، وقد وقع فيه كثيرون قديماً وحديثاً ولا سيما بعض المستشرقين، وقد أثر هؤلاء علي المشوشين من بني جلدتنا فزادوهم وهناً علي وهن.
قال الحسن البصري (110هـ) رحمه الله : (إنما أهلكتهم العجمة يتأولونه علي غير تأويله)" .
وقد وقع فيه النصاري في قراءتهم للإنجيل المكتوب بالعربية قال السمين (756ه) وفي الإنجيل لعيسي عليه السلام: "أنا ولدتك" وتشديد اللام، أي ربيتك. ونقلت عن بعض مشايخي أن الرشيد قال لولده: يا بني تعلم العربية فإن النصاري رأوا في الإنجيل "ولدتك" بالتشديد فخففوها بجهلهم فكفروا أجمعون" .
وأرجع الإمام الشافعي(204هـ) "القول بخلق القرآن ونفي الرؤية وغير ذلك من المسائل إلى الجهل بالعربية" .
وقاد الجهل بالعربية في أيامنا بعض الناس إلي الإلحاد، وهو خطر الأخطار، وأس كل بلاء، وكان حذر منه رشيد رضا (1354هـ) رحمه الله مذ مائة عام فقال : "الجهل بالعربية وعدم فهم القرآن هو الذي يمهد طريق الإلحاد"
- "الجامع لابن وهب": 3/44. "البحر المحيط": 1/25، وانظر بيان أثر الجهل بالعربية في مسألة الرؤيا في "حاشية السندي علي ابن ماجه": 76.
- عمدة الحفاظ": 4/340.
- انظر: "منهج علماء الحديث والسنة في أصول الدين: 66، و"حاشية ابن ماجه": 76."
- إصلاح الخط العربي مجلة المنار" 13/196.
العربية شرط لتفسير كتاب الله، ولا يصح للجاهل أن يقول في القرآن ما لا يعلم، فجاء في الحديث (من قال في القرآن برأيه فليتبوء مقعده من النار) .
ومن القول بالرأي في القرآن: القول فيه بغير علم قواعد العربية، قال سيدنا مالك (179هـ) رضي الله عنه : "ألا أوتي برجل غير عالم بلغات العرب يفسر ذلك إلا جعلته نكالاً" .
وبين عبد القادر الجرجاني (471هـ) في معرض رده علي من ينكرون فضل النحو أنهم بتفويتهم له يفوتون معرفة تفسير كتاب الله قال "وأما زهدهم في النحو واحتقارهم له، وإصغارهم أمره، وتهاونهم به، فصنيعهم في ذلك أشنع من صنيعهم في الذي تقدم، وأشبه بأن يكون صداً عن كتاب الله، وعن معرفة معانيه؛ ذاك لأنهم لا يجدون بداً من أن يعترفوا بالحاجة إليه فيه، إذا كان قد علم أن الألفاظ معلقة علي معانيه حتي يكون الإعراب هو الذي يفتحها، وأن الأغراض كامة فيها حتي يكون هو المستخرج لها، وأنه المعيار الذي لا يتبين نقصان كلام ورجحانه حتي يعرض عليه، والمقياس الذي لا يعرف صحيح من سقيم حتي يرجع إليه، لا ينكر ذلك إلا من ينكر حسه، وإلا من غالط في الحقائق نفسه " .
وقال السهيلي (581هـ) : " فإذا كانت صناعة الإعراب مرقاة إلي علوم الكتاب، لا يتولج فيها من أبوابه، ولا يتوصل إلي اقتطاف زهراتها إلا بأسبابه فواجب علي الناشئين تحصيل أصولها، وحتم علي الشادين البحث عن أسرارها وتعليلها" .
- "سنن الترمذي": (2950)، وقال : حديث حسن".
- شعب الإيمان" : (2090).
7"دلائل الإعجاز": 31.
8_"نتائج الفكرفي النحو"22
القرآن كتاب تشريعي بلاغي، فيه ما يستفاد من صريح العبارة، ومنه ما يعرف من دلالة الإشارة، فلا يستوي في فهمه الناس، وإنما يأخذ كل منهم بحظه منه، فمن جهل العربية فاته الفهم العقلي، وحرم الذوق الوجداني، ولا يغنيه النطق بالصواب والفتوي بالصحيح إن كان ما قاله قد وصل إليه بخبط عشواء دون أخذ بأسباب العلم وتذوقه.
قال المفسر البيضاوي(685هـ) رحمه الله : "من شرع في التفسير من غير أن يكون له وقوف علي لغة العرب ووجوه استعمالها من الحقيقة والمجاز والمجمل والمفصل والعام والخاص، وعلم بأسباب نزول الآيات والناسخ والمنسوخ منها، وتعرف لأقوال الأئمة وتأويلاتهم وهو- وإن اتفق له أن يوافق ما قاله المراد بالآية والمعني بها- فهو مخطئ من حيث إنه ضل السبيل، وقال ما قاله من غير سند ودليل" .
- (1) "تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة" : 1/158، وانظر "مرقاة المفاتيح" 1/309.