العربية تحفظ الدين، وتصون أحكامه، وتبين معني خطابه، وتفسر مراد الله سبحانه! في كتابه، ومراد نبيه صلي الله عليه وسلم في سنته، وتدفع من يقبلون عليهما بغير فهم قواعدهما المقيدة في فهم النصوص، وتصفهم بالجهل المركب، وبالسباحة في البحر اللجي من غير يدين، فلا يبني علي قولهم رأي، ولا علي تأويلاتهم حكم، ولهذا كان من مقاصد العربية: حفظ أحكام الإسلام وخطابه.
كما أن العناية بالعربية وفهم قواعدها تعين علي فهم أسباب أسرار الإعجاز الإلهي، فتزيد في التعلق بالدين والذود عنه، جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه!: (تعلموا اللحن والفرائض فإنه من دينكم).
وذكر الشاطبي (790هـ) رحمه الله! أن عمل النحويين في اللغة"هو من جملة حفظ الشريعة والاحتياط لها"
وبين في كتابه العظيم"الموافقات" أن مقامك في فهم العربية هو مقامك في فهم الشريعة قال: "الشريعة عربية، وإذا كانت عربية فلا يفهمها حق الفهم إلا من فهم العربية حق الفهم؛ لأنهما سيان في النمط عدا وجوه الإعجاز، فإذا فرضنا مبتدئَا في فهم العربية فهو مبتدئ في فهم الشريعة أو متوسطاَ؛ فهو متوسط في فهم الشريعة، والمتوسط لم يبلغ درجة النهاية، فإن انتهي إلي درجة الغاية في العربية كان كذلك في الشريعة" .
الجهل بالعربية قائد صاحبه للضلال، وهذا ما يحدث به الماضي والحاضر، فهي آلة الفهم، ومفتاح الباب، ودوال الطريق، وقد جاء ما يبين أن الجهل بأحكامها كان عند بعض الناس فيي عصر النبوة فأبان لهم حالهم منها، وهذا بيان ذلك بإيجاز
جاء في الحديث أن النبي صلي الله عليه وسلم سمع رجلاً لحن في الكلام، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم منبهاأصحابه: (أرشدوا أخاكم)
وهذا فعل لا يستغرب من القادة والعظماء؛ إذ إنهم يرون أن الحفاظ علي لغتهم هي قضية كبري، لا تهمل ، ولا تؤجل.
وزادت روايات بعض اللغويين، ومنهم الحفاظ كالأسيوطي (911هـ): الحكم بالضلال علي من تلبس بهذا المقام فرووا عنه: (أرشدوا أخاكم فقد ضل)
والضلال ضد الهداية، فمن لم يعرف أحكام العربية ضل في فهم شرع الله، فأحكام الشرع متوقفة علي فهم هذا الأصلالعظيم، وعلي هذا نبه العلماء، قال الشافعي
(204هـ) رحمه الله: "ومن علمه(أي لسان العرب) انتفت عنه الشبه التي دخلت علي من جهل لسانها" .
: "اعلم أن (الألفاظ) لا بد من الاعتناء بها؛ لأن الشريعة عربية، وقد نزل القرآن بلسان العرب وجاءت السنة بلسانهم" .
ويذكر ابن جني (392هـ) رحمه الله! أن كثيرين قد ضلوا في فهم خطاب الشارع لجهلهم بلسان العرب،- وإن كان هو نفسه قد وقع في ضلال معتقدات المعتزلة- نعوذ بالله من ذلك! قال: "وذلك أن أكثر من ضل من أهل الشريعة عن القصد فيها وحاد عن الطريقة المثلى إليها فإنما استهواه (واستخف حلمه) ضعفه في هذه اللغة الكريمة الشريفة التي خوطب الكافة بها"
وقد وقع في هذه الطامة الكبري بعض المعاصرين فتجرأوا علي شرع الله وأحكام الإسلام، وهم أجهل الناس باللغة، بل رأيت أحدهم الف كتاب في إنكار الحجاب، ولا يحفظ آية الحجاب، ورأيت آخر يلبس علي الناس، وينفرد بآراء شاذة وأقوال مظلمة، وهو لا يحسن معرفة التفريق بين المبتدأ والخبر، وبين الحال والتمييز.
وليس محل الإنكار فقط وضوح ضلالاتهم المظلمة الكاذبة، أو أدعائهم مقام الفهم والإجتهاد، بل يحزن كل غيور علي دينه أن تفرد لهم الحلقات المطولة في الإذاعات، وتخصص لهم المساحات الملونة في الصحف والمجلات، ويدافع عنهم بدعوة حرية التعبير، وتمنح لهم الجوائز والحصانات تحت مسمي التجديد والتنوير، وهم محل الجهل، وموطن الضعف قال شيخ الإسلام ابن تيمية(728هـ) رحمه الله !: " فإن نفس اللغة العربية من الدين ومعرفتها من الواجب فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" .
روي عن عدي ابن حاتم رضي الله عنه ! ( أن رجلاً خطب عن النبي ضلي الله عليه وسلم فقال: من يطع الله ورسوله، فقد رشد، ومن يعصهما، فقد غوي، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : "بئس الخطيب أنت، قل : ومن يعص الله ورسوله") .
(اسكت، فبئس الخطيب أنت) . وفي راوية أخري لأبي داود: فقال : (قم –أو اذهب- بئس الخطيب أنت) .
وهذا يبين أن من أخطأ في أحكامها وتصدر أمر الناس في شيء متعلق بها كالخطابة فإنه يؤدب بالتعزير كما فعل النبي صلي الله عليه وسلم.
فالتوبيخ درجة من درجات التعزير، زنوع من أنواع العقاب، قال الإمام الجويني(478هـ) رحمه الله ! عن مراتب العقاب،ثم الأئمة بعد ذلك: ليس للإمام أن يبتدر الضرب بل يرعي في ترتيب التأديب من التدرج والاكتفاء بأقل المراتب ما يرعاه الدافع في الاقتصار علي حاجة (الدفع)"، حتي إن علم إن التوبيخ بالكلام كاف ، اكتفي به، وإن لم يره ناجعاً ترقي إلي (التعنيف)فيه، ثم من هذه المرتبة إلي ما يري من حبس، أو دفع في الصدر، أو ما جري هذا المجري، ثم هكذا إلي أن ينتهي رأي" .
يتحقق من الجهل بالعربية ضرر كبير لا يعرفه الكثير من الناس، ومن أهم هذا الضرر الذي أراه يلحق الجاهل بها فيقع في محذور أو يفوته خير كثير في الدنيا والآخرة ما يأتي.
1- الوقوع في البدع العقدية.
وهذا من أعظم الضرر الحاصل من الجهل بالعربية، وقد وقع فيه كثيرون قديماً وحديثاً ولا سيما بعض المستشرقين، وقد أثر هؤلاء علي المشوشين من بني جلدتنا فزادوهم وهناً علي وهن.
قال الحسن البصري (110هـ) رحمه اله ! : (إنما أهلكتهم العجمة يتأولونه علي غير تأويله)" .
وقد وقع فيه النصاري في قراءتهم للإنجيل المكتوب بالعربية قال السمين (756ه) وفي الإنجيل لعيسي عليه السلام: "أنا ولدتك" وتشديد اللام، أي ربيتك. ونقلت عن بعض مشايخي أن الرشيد قال لولده: يا بني تعلم العربية فإن النصاري رأوا في الإنجيل "ولدتك" بالتشديد فخففوها بجهلهم فكفروا أجمعون" .
وأرجع الإما الشافعي(204هـ) "القول بخلق القرآن ونفي الرؤية وغير ذلك من المسائل إلى الجهل بالعربية" .
وقاد الجهل بالعربية في أيامنا بعض الناس إلي الإلحاد، وهو خطر الأخطار، وأس كل بلاء، وكان حذر منه رشيد رضا (1354هـ) رحمه الله ! مذ مائة عام فقال : "الجهل بالعربية وعدم فهم القرآن هو الذي يمهد طريق الإلحاد" .
وهذا باب كبير، والكلام فيه كثير، وفي ما ذكرت كفاية حتي لا نثقل الكتاب، والغرض إنما هو "الأربعون".
العربية شرط لتفسير كتاب الله، ولا يصح للجاهل أن يقول في القرآن ما لا يعلم، فجاء في الحديث (من قال في القرآن برأيه فليتبوء مقعده من النار) .
ومن القول بالرأي في القرآن: القول فيه بغير علم قواعد العربية، قال سيدنا مالك (179هـ) رضي الله عنه ! : "ألا أوتي برجل غير عالم بلغات العرب يفسر ذلك إلا جعلته نكالاً" .
وبين عبد القادر الجرجاني (471هـ) في معرض رده علي من ينكرون فضل النحو أنهم بتفويتهم له يفوتون معرفة تفسير كتاب الله قال "وأما زهدهم في النحو واحتقارهم له، وإصغارهم أمره، وتهاونهم به، قصنيعهم في ذلك أشنع من صنيعهم في الذي تقدم، وأشبه بأن يكون صداً عن كتاب الله، وعن معرفة معانيه؛ ذاك لأنهم لا يجدون بداً من أن يعترفوا بالحاجة إليه فيه، إذا كان قد علم أن الألفاظ معلقة علي معانيه حتي يكون الإعراب هو الذي يفتحها، وأن الأغراض كامة فيها حتي يكون هو المستخرج لها، وأنه المعيار الذي لا يتبين نقصان كلام ورجحانه حتي يعرض عليه، والمقياس الذي لا يعرف صحيح من سقيم حتي يرجع إليه، لا ينكر ذلك إلا من ينكر حسه، وإلا من غالط في الحقائق نفسه " .
وقال السهيلي (581هـ) : " فإذا كانت صناعة الإعراب مرقاة إلي علوم الكتاب، لا يتولج فيها من أبوابه، ولا يتوصل إلي اقتطاف زهراتها إلا بأسباب فواجب علي الناشئين تحصيل أصولها، وحتم علي الشادين البحث عن أسرارها وتعليلها" .
القرآن كتاب تشريعي بلاغي، فيه ما يستفاد من صريح العبارة، ومنه ما يعرف من دلالة الإشارة، فلا يستوي في فهمه الناس، وإنما يأخذ كل منهم بحظه منه، فمن جهل العربية فاته الفهم العقلي، وحرم الذوق الوجداني، ولا يغنيه النطق بالصواب والفتوي بالصحيح إن كان ما قاله قد وصل إليه بخبط عشواء دون أخذ بأسباب العلم وتذوقه.
قال المفسر البيضاوي(685هـ) رحمه الله! : "من شرع في التفسير من غير أن يكون له وقوف علي لغة العرب ووجوه استعمالها من الحقيقة والمجاز والمجمل والمفصل والعام والخاص، وعلم بأسباب نزول الآيات والناسخ والمنسوخ منها، وتعرف لأقوال الأئمة وتأويلاتهم وهو- وإن اتفق له أن يوافق ما قاله المراد بالآية والمعني بها- فهو مخطئ من حيث إنه ضل السبيل، وقال ما قاله من غير سند ودليل" .
اشترطوا أن يكون راوي الحديث عالماً بقواعد النحو، فلو كان الراوي يلحن في الأحاديث النبوية فيرفع المنصوب، أو ينصب المرفوع فقد وقع في الحرام، ووجب عليه الاستغفار، فقد أدخل العلماء هذا اللحن في الكذب المتعمد علي النبي صلي الله عليه وسلم.
روي البخاري بسنده عن المغيرة رضي الله عنه، قال: (سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول: " إن كذباً علي ليس ككذب علي أحد، من كذب علي متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار) 0
فرسول الله أفصح الناس لساناً، وأبعدهم عن اللحن.
قال الحافظ العراقي(806هـ) في الألفية الحديثية .
وليحذر اللحان والمصحفا
علي حديثه بأن يحرفا
فيدخلا في قوله من كذبا
فحق النحو علي من طلبا
وكان بعض المحدثين يعرضون أحاديثهم علي اللغويين والنحويين خوف اللحن ولا يعتمدون علي ما يروونه عن مشايخهم، فروي الخطيب البغدادي(463هـ) رحمه الله ! : حدثني أبو حاتم سهل بن محمد، قال: "كان عفان بن مسلم يجئ إلي الأخفش وإلي أصحاب النحو فيعرض عليهم الحديث يعربه، فقال له الأخفش: عليك بهذا- يعنيني- وكان بعد ذلك يجئ إلي حتي عرض علي حديثاً كبيراً"
الأحكام الفقهية والأصولية كثير منها تبني علي المعرفة باللغة العربية، ولبيان هذا الأمر ألف بعض العلماء كالطوفي(716هـ) والإسنوي (772هـ)وابن الأزرق (896هـ) وابن المبرد(909هـ) كتباً مفردة تظهر أثر النحو في استنباط الأحكام الفقهية .
قال ابن حزم (456هـ) : "لزم لمن طلب الفقة أن يتعلم النحو واللغة وإلا فهو ناقص منحط لا تجوز له الفتية في دين الله عز وجل" .
وقال أبو حيان (745هـ) راداً علي من زعم أن النحوي فلاح الأصولي: "حكي لي عن بعض من له اشتغال بالتعليقات أنه قال: النحاة فلاحو أهل علم الأصول، ولو كان له اطلاع وبصيرة بعلم النحو لعلم أن معظم علم الأصول بعض من علم النحو" .
وقال الإسنوي (772هـ) : "فإن علم الحلال والحرام الذي به صلاح الدنيا والأخري وهو المسمي بعلم الفقه مستمد من علم أصول الفقه وعلم العربية، فأما استمداده من علم الأصول فواضح وتسميته بأصول الفقه ناطقة بذلك، وأما العربية فلأن أدلته من الكتاب والسنة عربية، وحينئذ فيتوقف فهم تلك الأدلة علي فهمها والعلم بمدلولها علي علمها" .
الفتوى فى العربية مقام كريم, وفضلها عظيم, ومن لم يفرغ نفسه فى تحصيل قواعدها حرم من شرف الفتوى فى هذه القواعد, وقد روى عن أبى حنيفه (رضى الله عنه) أنه كان "إذا سئل عن شئ من اللغة, يقول : إنها ليست من شأنى"
وقال الشافعى (204 ه) رحمه الله ! : " فمن جهل هذا من لسانها – وبلسانها نزل الكتاب وجاءت به السنة-فتكلف القول فى علمها تكلف ما يجهل بعضه, ومن تكلف ما جهل وما لم تثبته معرفته, كانت موافقته للصواب وإن وافقه من حيث لا يعرف غير محمودة , وكان بخطئه غير معذور, إذا نطق فيما لا يحيط علمه بالفرق بين الصواب والخطأ فيه ".
معلم العربية ومعلمتها مأجوران إذا صحب هذا التعلم والتعليم نية التقرب إلى الله تعالى بها, فهى لغة الكتاب, وخطاب الوحيين, لا يمكن فهمهما دون معرفة قوانينها ودلالاتها, قال تعالى : (ولو نزلنه على بعض الأعجمين , فقرأه عليهم ما كانو به مؤمنين ) [ الشعراء]
وقد روى عن أبى بكر الصديق (رضى الله عنه) لأن أعرب أية من القرآن، أحب إلى من أن أحفظ آية"
وعن عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) أنه قال : " تعلموا إعراب القرآن كما تعلمون حفظه "
وقال : " تعلموا اللحن والفرائض والسنن, كما تعلمون القرآن"
وقد نص ابن العربي (453هـ) رحمه الله ! علي وجوب أن يبدأ الطفل بتعلم العربية قبل تعلم الحساب والحديث والقرآن، فعلي العربية يقف أمر التعبد والدخول في الإسلام وفهم القرآن .
وقال رشيد رضا "فكان تعلم العربية من ضروريات الإسلام، عند جميع تلك الشعوب والأقوام، بالإجماع العلمي والتعبدي" ، وزاد أيضاً "فالواجب علي دعاة الإصلاح في الإسلام الآن أن يجتهدوا في إعادة الوحدة الإسلامية إلي ما كانت عليه في الصدر الأول خير قرون الإسلام، وأن يستعينوا علي ذلك بالطرق الصناعية في التعليم، فيجعلوا تعلم العربية إجباراً في جميع مدارس" "
والواجب مقرون بالأجر والمثوبة، مصحوب برضا الله بأدائه، وبسخطه تركاً وإهمالاً.
فهذا الأمر الجليل لا يتحقق دون وجود معلم العربية، فهو ميسر قواعدها، والقائم علي تلقينها، والأمين علي الفتوي فيها. قال الفراء (207هـ) : "لقيت الكسائي (189هـ) يوماً فرأيته كالباكي، فقلت له: ما يبكيك؟
فقال هذا الملك يحي بن خالد، يوجه إلي فيحضرني، فيسألني عن الشيء؛ فإن أبطأت في الجواب لحقني منه عتب، وإن بادرت لم آمن الزلل. قال: فقلت له ممتحناً : يا أبا الحسن، من يعترض عليك! قل ما شئت، فأنت الكسائي. فأخذ لسانه بيده وقال: قطعه الله إذا إن قلت ما لا أعلم" .
يشترط فيمن أراد أن يتصدر الناس ويعظهم أو يبين لهم الأمور أن يتعلم قوانين العربية.
روى مسلم عن عدي بن حاتم رضي الله عنه! (أن رجلًا خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يطع الله ورسوله، فقد رشد، ومن يَعصِهما، فقد غوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بئس الخطيب أنت، قُل: ومن يعص الله ورسوله) ، وفي رواية الشافعي وأبي داود: (اسكت، فبئس الخطيب أنت) ، وفي رواية أخرى لأبي داود: فقال: (قم - وأذهب - بئس الخطيب أنت)
ومن مقتضيات الحديث في الناس الإيجاز والاختصار، والبعد عن الاطناب الممل والتكرار والاستزادة من غير طائل، ولا يتأتى الإيجاز من غير معرفة العربية وقوانينها، جاء في الحديث عن عمرو بن العاص رضي الله عنه: (قال يومًا – وقام رجل فأكثر القول -: لو قصد في قوله لكان خيرًا له، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لقد رأيت – أو أُمِرت – أن أتجوز في القول، فإن الجواز هو خير).
وروى الجاحظ (255هـ) أنه قيل لعبد الملك بن مروان: عجِل عليك الشيب يا أمير المؤمنين قال: "وكيف لا يعجل عليَّ وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة مرة أو مرتين"
وقال بعض الشعراء
فإذا خطبت على الرجال فلا تكن
خطل الكلام تقوله مختالًا
وأعلم بأن من السكوت إبانة
ومن التكلم ما يكون خبالًا
جاء عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه عاقب بعض الكتبة بالجلد؛ لخطئهم في لغة رسائل الدولة.
والرواية أنه كتب كاتب يعمل لأبي موسى الأشعري إلى عمر بن الخطاب كتابًا فيه خطأ نحوي ظاهر؛ إذ رفع الكاتب ما حقه الجر قال الحافظ البيهقي (458هـ): فكتب إليه عمر: أن اجلد كاتبك سوطًا." "
وفي رواية أخرى أنه ضم إلى عقوبة الجلد عقوبة مالية "فاضرب كاتبك سوطًا واحدًا، وأخّر عطاءه سنة" "
وجاء في رواية ابن الأبَار (658هـ) "أن اضربه خمسين سوطًا، واعزله عن عملك" ، فجمع مع الضرب العزل عن العمل.
واشترطوا فيمن يكتب الوثائق، - ويقصد بهم في أيامنا محرروا العقود والمأذونون الشرعيون، وأقلام المحاكم – أن يفهم قواعد الكتابة وقوانين اللغة، فقالوا: "وينبغي أن يكون فيه من الأوصاف ما نذكره، وهو أن يكون حسن الكتابة، قليل اللحن، عالمًا بالأمور الشرعية"
وفي حاضرنا تصيبك صواعق الألم من لحن الحكام والوزراء والقضاة والساسة وأساتذة الجامعات وخطباء المساجد الكبرى بله كتّاب المحاكم ومحرري العقود، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
من جهل بالعربية ولحن فيها سقط من أعين العلماء وازدروا شأنه، واستخفوا به؛ لأنها عندهم عنوان على الفهم، ودليل على التحصيل، وإشارة إلى المكانة، قال ابن شُبرمة (144هـ): "إذا سرَّك أن تُعظَّم في عين من كنت في عينه صغيرًا، ويصغر في عينك من كان في عينك عظيمًا فتعلم العربية، فإنها تجريك على المنطق وتدنيك من السلطان"
وقال مسلمة بن عبد الملك (120هـ): "اللحن في الكلام أقبح من الجدري في الوجه"
ودخل رجل على زياد (53هـ) فقال له: "إن أبينا هلك، وإن أخينا غصبنا على ميراثنا من أبانا، فقال زياد: ما ضيعت من نفسك أكثر مما ضاع من مالك"
وقال الشاعر :
النحو يبسط من لسان الألكن
والمرء تكرمه إذا لم يلحن
وإذا التمست من العلوم أجلها
فأجلها حقًا مقيم الألسن
لحن الشريف يحطه عن قدره
فتراه يسقط من لحاظ الأعينِ
يسقط الحاكم من عين رعيته إن كان لحانًا ويصبح أضحوكة المتعلمين، وسخرية المثقفين، وهذا من البلاء الذي شاع في عصرنا، فلا تكاد تجد حاكمًا فصيحًا بل عظُم الأمر فيهم فتراهم يقرأون من ورقة ويلحنون في الواضحات البينّات وقد "سمع أعرابيّ واليًا يخطب فلحن مرة أو أثنتين، فقال: "أشهد أنك ملكت بقدر" "
وعدُّوا الجهل بالعربية علة فادحة في الملك؛ لأن علم العربية كان من ضروريات العلوم التي يجب أن يحصلها الملك، قالوا: "وأما علوم ملوك الإسلام فكانت علوم اللسان، كالنحو واللغة، والشعر والتواريخ، حتى إن اللحن كان عندهم من أفحش عيوب الملك" "
ولهذه العلة كان يخشى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان اللحن، إذ كان عيبًا ظاهرًا عند الناس في صفات الملك، فقال: "شيبني صعود المنابر والخوف من اللحن" ، وقال: "لا يلي العرب إلا من يُحسن كلامهم" "
اللغة وسيلة من وسائل التعبير عن النفس، بل هي الأصل في التعبير، وإتقانها وحفظ ألفاظها وحسن استعمال تراكيبها ونظامها يؤثر في السامع، فيأخذ عقله وقلبه، ولهذا جاء في البخاري (256هـ) عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن من البيان لسحر)" "
ويعظم أثرها في مجالس الخصام والمطالبة بالحقوق، ولهذا قد تستعمل في قلب الحقائق بالتزويق اللفظي فجاء عن أم سلمة في الصحيحين، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو مما أسمع منه، فمن قطعت له من حق أخيه شيئًا، فلا يأخذه، فإنما أقطع له به قطعة من النار" .
واللحن هنا: الفطانة والقدرة على التعبير البليغ، ويؤيده الرواية الأخرى في الصحيحين )فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض) ، قال ابن بطَّال (449هـ): "قال المهلب: هذا يدل أن القوي على البيان البليغ في تأدية الحجة قد يغلب بالباطل من أجل بيان، فيقضي له على خصمه، وليس ذلك بمحل ما حرم عليه"
نبه ابن تيمية (728هـ) رحمه الله! على ضرورة اعتياد التكلم بالعربية، وأن اللازم أن يجريها المسلم على لسانه في مخاطباته ومعاملاته، ورأى أن ذلك يُعين على الفهم، والدين والعقل قال: "واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل، والخُلق، والدين تأثيرًا قويًا بينًا، ويؤثر أيضًا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخُلق" "
وبيَّن أن اعتياد العامية في الخطاب مكروه قال: "وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله ولأهل الديون أو لأهل الفقه، فلا ريب أن هذا مكروه فإنه من التشبه بالأعاجم وهو مكروه" ".
فمن تكلم بلغة العرب واعتاد جريان ألفاظها في كلامه فقد أخذ بحظه من فهم أسرار الإعجاز القرآني، فيزيد تعلقه بكتاب الله قراءة وتدبرًا، ويقوي بذلك إيمانه، ويسري تعظيمه في روحه وعروقه، وتلذذ بهذا الفهم وطرب له.
حد اللحن:
قال الجوهرى (393 ه) " اللحن: الخطأ فى الإعراب, يقال: فلان لحان ولحانة, أى كثير الخطأ, والتلحين:التخطئة "
وعد بعضهم التصحيف أيضاً من اللحن بل هو أشده.
قال المناوى (1031 ه ) " اللحن: صرف الكلام عن سننه الجارى عليه, إما بإزالة الإعراب أو التصحيف, وهو المذموم, وذلك أكثر أستعمالاً"
حكمه الشرعى:
اللحن يخدش المتكلم, ويحقر المنزلة, ويسفه الواقع فيه, وقد جاء فى الشعر
النحو يبسط من لسان الألكن
والمرء تكرمه إذا لم يلحن
وقد اجتهدت فى أن جمع أقوال العلماء فى حكمه الشرعى, فوجدت أنه يمكن تقسيم الحكم فيه بالنظر فى حال اللاحن أولاً, وفى ما لحن فيه ثانياً, وهذا بيان ذلك بالتفصيل:
1- إن كان اللاحن من العوام نبه على خطئه اللغوى بلطف وعلم الصواب, وأصل ذلك ما جاء عن أبى الدرداء (رضى الله عنه) قال: " سمع النبى (صل الله عليه وسلم) – رجلاً قرأ فلحن فقال رسول الله (صل الله عليه وسلم) " أرشدوا أخاكم" , وواضح من الحديث أن الرجل كان جاهلاً غير متصدر فى شئ من أمور الشأن العام.
2- إن كان اللاحن ممن تصدر للخطب الجامعة أو للوظيفة العامة المتعلق بالدواوين ونحوها عزر علي لحنه.والتعزيز يبدأ بالتوبيخ, وقد يصل إلى الضرب والحرمان من المال, بل والطرد من الوظيفة العامة, وقد مر بيان ذلك, ولا ضير فى إعادته هنا.
والدليل فى المسألة ما رواه مسلم (261 ه) بسنده عن عدى ابن حاتم (رضى الله عنه) ( أن رجلاً خطب عند النبى (صل الله عليه وسلم) فقال: من يطع الله ورسوله, فقد رشد, ومن يعصهما, فقد غوى, فقال رسول الله (صل الله عليه وسلم) : بئس الخطيب أنت, قل: ومن يعص الله ورسوله) " "،وفى رواية أخرى لأبى داود: (قم – أو اذهب- بئس الخطيب أنت )" ", فعزره بالتوبيخ والطرد.
وجاء عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضى الله عنه ! أنه عاقب بعض الكتبه بالجلد لخطئهم فى لغة رسائل الدولة, فروى أنه كتب كاتب يعمل لأبى موسى الأشعرى (رضى الله عنه) إلى عمر بن الخطاب كتاباً فيه خطأ نحوى ظاهر, إذ رفع ما حقه الجر قال الحافظ البيهقى (458 ه ): فكتب إليه عمر: أن اجلد كاتبك سوطاً " , وفى رواية أنه ضم إلى عقوبة الجلد – وهى عقوبة بدنية- عقوبة مالية قال :" فأضرب كاتبك سوطاً واحدا, وأخر عطاءه سنة" "
وجاء فى رواية ابن الأبار (658ه) : أن اضربه خمسين سوطاً, واعزله عن عملك " " فجمع مع الضرب العزل عن العمل.
فسلامة اللغة هنا متصلة بهيبة الدولة وهويتها, ومعرفة الحقوق وتدوينها, ولهذا قالو عن صفات القاضى : " ينبغى للقاضى أن يكون عالماً بما لابد منه من العربية وأختلاف معانى العبارات لأختلاف المعانى بأختلاف العبارات فى الدعاوى والإقرار والشهادات" "
فيرفع المنصوب, أو ينصب المرفوع فقد وقع فى الحرام, ووجب عليه الإستغفار, فقد أدخل العلماء هذا اللحن فى الكذب المتعمد عن النبى (صل الله عليه وسلم ) – فروى البخارى بسنده عن المغيرة- رضى الله عنه ! قال: ( سمعت النبى (صل الله عليه وسلم) يقول: إن كذباً على ليس ككذب على أحد, من كذب على متعمداً, فليتبوأ مقعده من النار) فرسول الله أفصح الناس لساناً, وأبعدهم عن اللحن, قال الحافظ العراقى (806 ه) فى ألفيته الحديثية" ":
وليحذر اللحان والمصحفا
على حديثه بأن يحرفا
فيدخلا فى قوله : من كذبا
فحق النحو على من طلبا
والسلطة التقديرية هنا للحاكم واسعة جداً,جاء فى مسائل ابن رشد الجد (520 هـ): " وسئل (رضى الله عنه) عمن قال: لا يحتاج إلى لسان العرب , هل يلزمه شئ أم لا ؟ , فقال , وفقه الله: هذا جاهل جداً, فلينصرف عن ذلك , وليتب منه, فإنه لا يصح شئ من أمور الديانة والإسلام إلا بلسان العرب , يقول الله تعالى : ( بلسان عربى مبين ) [ الشعراء], فقال له السائل : إن قائل هذا القول ليس بجاهل, ولكن ممن يقرأ الحديث, والمسائل فقال – أيده الله- : وإن كان, فإن هذا منه جهل عظيم, فقل له : تب منه, وأقلع عنه, ولا يلزمه شئ, إلا أن يرى أن ذلك منه لخبث منه فى دينه, أو نحو ذلك, فيؤدبه الإمام على قوله ذلك, بحسب ما يرى, فقد قال قولاً عظيماً, والله الموفق للصواب" ".
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنية، وإنما لامريء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه). رواه الشيخان واللفظ لمسلم .
وعن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اليمين على نية المستحلف). رواه مسلم" ".
في التحذير من أن يتعلم المسلم الكلام ليزوِّر به الحقيقة ويخدع بها الناس.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تعلم صرف الكلام ليسبي به قلوب الرجال - أو الناس - لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلًا). رواه أبو داود والبيهقي" ".
في بيان من معجزات النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم المعجزة اللغوية في اللغة العربية
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بُعثت بجوامع الكلم، ونُصرت بالرعب، وبينا أنا نائم أُتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوُضعت في يدي). قال أبو عبد الله: "وبلغني أن جوامع الكلم: أن الله يجمع الأمور الكثيرة، التي كانت تُكتب في الكتب قبله، في الأمر الواحد، والأمرين، أو نحو ذلك). رواه الشيخان" ".
وفي رواية عن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه! قال:
(خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا كالمودع، فقال: أنا محمد النبي الأُمي قاله ثلاث مرات. ولا نبي بعدي، أوتيت فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه)" ".
وخرج أبو يعلى من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني أوتيت جوامع الكلم وخواتمه، واختصر لي اختصارًا)" ".
في بيان أن الفصاحة لا تتوقف على اختيار الكلمة وتركيب الكلام فقط بل على حسن الأداء أيضًا
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسرد الكلام كسردكم هذا، كان كلامه فصلًا بينًا، يحفظه كل من سمعه). رواه النسائي" ".
وفي رواية: عن عروة بن الزبير قال: (جلس رجل بفناء حجرة عائشة، فجعل يتحدث، قال: فقالت عائشة: "لولا أني كنت أسبح لقلت له ما كان رسول الله يسرد الحديث كسردكم، إنما كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلًا، تفهمه القلوب)" ".
في بيان التنبيه النبوي الكريم على الفروق الدلالية بين الألفاظ
عن أبي هريرةقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقولن أحدكم: زرعت، وكن ليقل: حرثت، قال أبو هريرة: ألم تسمع إلى قول الله تبارك وتعالى: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ (63) ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64)}). رواه ابن حبان والطبراني وأبو نعيم والبيهقي" ".
وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقولن أحدكم الكرم فإن الكرم الرجل المسلم ولكن قولوا حدائق الأعناب). رواه أبو داود والنسائي والبيهقي" ".
في بيان التنبيه النبوي العظيم على الخطأ اللغوي
عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان). رواه ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والنسائي" ".
وعند الحاكم: (عن قُتيلة بنت صيفي، امرأة من جهينة قالت: إن حبرًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنكم تشركون. تقولن ما شاء الله وشئت وتقولون والكعبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قولوا ما شاء الله ثم شئت وقولوا ورب الكعبة" هذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرجاه)" ".
في بيان أن الجاهل بالعربية يستحق التنبيه بلطف وأنه يعلم الصواب إن كان جاهلًا
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا قرأ فلحن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرشدوا أخاكم).
قال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يُخرجاه" وقال الذهبي في تلخيصه: صحيح" ".
في جواز تعزير المخطيء في اللغة من ولي الأمر، ويبدأ من التوبيخ وإغلاظ القول له
عن عدي بن حاتم رضي الله عنه (أن رجلًا خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يطع الله ورسوله، فقد رشد، ومن يعصهما، فقد غوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله). رواه مسلم" ".
وفي رواية الشافعي وأبي داود: (اسكت، فبئس الخطيب أنت)" ".
وفي رواية أخرى لأبي داود: قال: (قم – أو اذهب – بئس الخطيب أنت)" ".
في ذم البيان ومدح العِي
عن أبي أُمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحياء والعي شعبتان من الإيمان، والبذاء والبيان شعبتان من النفاق).
رواه أحمد والترمذي والحاكم (وعلق الذهبي بصحيح) والبيهقي
في مدح البيان وأثره العظيم على نفس السامع
عن واصل بن حيان فال: (قال أبو وائل: خطبنا عمار، فأوجز وأبلغ، فلما نزل قلنا: يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت، فلو كنت تنفست، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته، مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة، واقصروا الخطبة، وإن من البيان سحرًا). رواه مسلم" "
فصل الإيجاز في الكلام وأنه خير من الإطالة
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه: "قال يومًا – وقام رجل فأكثر القول -: لو قصد في قوله لكان خيرًا له، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لقد رأيت – أو أُمِرت – أن أتجوز في القول، فإن الجواز هو خير). رواه أبو داود والبيهقي " ".
في بيان جواز تكرار الكلام في مقام التعليم والتفهيم
عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه كان إذا تكلم أعادها ثلاثًا حتى تُفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسلم عليهم، سلم عليهم ثلاثًا). رواه البخاري" ".
في بيان النهي عن التشدق والتكلف في الكلام
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (شرار أُمتى الثرثارون، المُشدقون، والمتفيقهون، وخيار أُمتي أحاسنهم أخلاقًا). رواه البخاري في الأدب المفرد" ".
وعند ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وابن حبان عن أبي ثعلبة الخُشني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحبكم إليَّ، وأقربكم مني في الآخرة محاسنكم أخلاقًا، وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني في الآخرة مساوئكم أخلاقًا، الثرثارون، المتفيقهون المتشدقون)" ".
في بيان ذم هيئة التصنع في أداء الكلام
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه! قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عزوجل يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها). رواه ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي والطبراني" ".
في بيان أن الكلام يكون عند الحاجة، ولا بأس بالتشدق إن صاحبه احتياط واحتراز
وفي حديث هند بن أبي هالة رضي الله عنه (قلت: صف لي منطقه. قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، لا يتكلم في غير حاجة، طويل الصمت يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم، فصل لا فضول ولا تقصير). رواه الترمذي وأبو نعيم، والبيهقي، والهيثمي" ".
في بيان تحريم الشعر
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأن يمتليء جوف الرجل قُيحًا يريه خير من أن يمتليء شعرًا). رواه الشيخان، واللفظ لمسلم" ".
وفي رواية أخى لمسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ! قال(بينا نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج إذ عرض شاعر ينشد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :خذوا الشيطان أو أمسكوا الشيطان لأن يمتلىء جوف رجل قيحاً خيرٌ له من أن يمتلىء شعراً ).
في بيان مدح الشعر
عن أُبيّ بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن من الشعر حكمة). رواه البخاري .
وفي رواية، عن أُبيّ بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من الشعر حُكمًا) .
وفي رواية: عن ابن عباس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من الشعر حِكمًا) .
الحديث الثامن عشر
في بيان الاستماع إلى طوال قصائد الشعر الجاهلي واستحسان معانيه
عن عمرو بن الشريد، عن أبيه رضي الله عنه قال: ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال: (هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء؟" قلت: نعم، قال: "هيه" فأنشدته بيتًا، فقال: "هيه" ثم أنشدته بيتًا، فقال: "هيه" حتى أنشدته مائة بيت). رواه مسلم .
في بيان منع إنشاد الشعر في المسجد
عن حكيم بن حزام رضي الله عنه أنه قال: (نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُستقاد في المسجد، وأن تُنشد فيه الأشعار، وأن تُقام فيه الحدود). رواه أبو داود والبيهقي .
وفي رواية عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشراء والبيع في المسجد، وأن تُنشد فيه الأشعار، وأن تُنشد فيه الضالة، وعن الحِلٌ يوم الجمعة، قبل الصلاة) .
الحديث العشرون:في جواز الاستماع إلى الشعر في المسجد
عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: (مرعمر في المسجد وحسان يُنشد فقال: كنت أُنشد فيه، وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة، فقال: أنشدك بالله، أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أجب عني، اللهم أيده بروح القدس؟" قال: نعم). رواه البخاري .
وفي رواية عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان بن ثابت منبرًا في المسجد، فيقوم عليه يهجو من قال في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس مع حسان ما نافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) .
الحديث الحادي والعشرون:في بيان أن الشعر نوعان: حسن وقبيح
عن عبيد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشعر بمنزلة الكلام، فحسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام). رواه البخاري في الأدب المفرد والطبراني .
النهي عن السجع، وهو الكلام المقفى
عن عائشة أنها قالت للسائب: (إياك والسجع فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا لا يسجعون). رواه أبو يعلي .
وعن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه رضي الله عنه قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم بعض القوم بكلام فيه شبه الرجز، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا سلمة) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه "لما قضى رسول الله في امرأة قُتلت وما في بطنها فاعترض حمل بن النابغة الهذلي وقال: يا رسول الله، كيف يغرم من لا شرب ولا أكل، ونطق ولا إستهل، فمثل ذلك باطل!، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما هذا من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع). رواه الشيخان واللفظ لمسلم .
وفي رواية أخرى لمسلم: (أسجع كسجع الأعراب) .
الحديث الثالث والعشرون:في جواز السجع عند عدم التكلف
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: (إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليخالطنا، حتى يقول لأخ لي صغير: "يا أبا عُمير، ما فعل النغير". رواه البخاري .
في تسمية حرف الهجاء حرفاً مجازاً، وإثبات مصطلح"حرف" للدلالة علي واحد حروف التهجي.
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم): مَن قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألف لام ميم حرف، ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ) . رواه الترمذي
وفي رواية البهيقي عن عوف بن مالك الأشجعي، أنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (من قرأ حرفاً من القرآن كتب الله له حسنة لا أقول: بسم، ولكن باء وسين وميم، ولا أقول: (ألم)، ولكن أقول الألف واللام والميم)
الحديث الخامس والعشرون
في بيان دلالة الاسم على المسمى
عن ابن المسيب، عن أبيه رضي الله عنه (أن أباه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما اسمك"؟ قال: حَزن، قال: "أنت سهل"، قال: لا أغير اسمًا سمانيه أبي، قال ابن المسيب: فما زالت الحزونة فينا بعد). رواه البخاري .
وفي رواية أبي داود رحمه الله: (قال له: "ما اسمك؟" قال: حزن، قال: "أنت سهل" قال: لا، السهل يُوطأ ويُمتهن، قال سعيد: فظننت أنه سيصيبنا بعده حُزونه
في بيان أن التنشئة سبب ظاهر في إتقان العربية أو الجهل بها
عن ابن أبي عتيق رضي الله عنه! قال: (تحدثت أنا والقاسم، عند عائشة رضي الله عنها، حديثًا وكان القاسم رجلًا لحانة – وكان لأم ولد – فقالت له عائشة: ما لك لا تحدث كما يتحدث ابن أخي هذا، أما إني قد علمت من أين أتيت، هذا أدبته أمه، وأنت أدبتك أمك، قال: فغضب القاسم وأضب عليها، فلما رأى مائدة عائشة رضي اله عنها، قد أُتي بها قام، قالت: أين؟ قال: أُصلي، قالت: اجلس، قال: إني أُصلي، قالت اجلس غُدر، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا صلاة بحضرة الطعام، ولا هو يُدافعه الأخبثان). رواه مسلم
في بيان جواز الترجمة عن اللغات الأخرى
عن علي رضي الله عنه قال: (لما وُلد الحسن سميته حربًا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أروني ابني ما سميتموه؟ قُلنا: حربًا، قال: بل هو حسن، فلما وُلد الحسين فذكر مثله وقال: بل هو حسين، فلما ولد محسن فذكر مثله وقال: بل هو محسن، ثم قال: سميتهم بأسماء ولد هارون، شبر وشُبير ومُشبر). رواه أحمد وابن حبان والطبراني والحاكم، وقال الذهبي صحيح .
في بيان جواز تعلم اللغات الأخرى
عن زيد بن ثابت رضي اله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب اليهود حتى كتبت للنبي صلى الله عليه وسلم كتبه، وأقرأته كتبهم، إذا كتبوا إليه). رواه البخاري .
وفي رواية أبي داود: قال زيد بن ثابت: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فتعلمت له كتاب يهود، وقال: "إني والله ما آمن يهود على كتابي" فتعلمته، فلم يمر بي إلا نصف شهر حتى حذفته، فكنت أكتب له إذا كتب، وأقرأ له إذا كُتب إليه) .
وفي رواية الترمذي: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم له كلمات من كتاب يهود قال: إني والله ما آمن يهود على كتاب قال: فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته له قال: فلما تعلمته كان إذا كتب إلي يهود كتبت إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم) .
في بيان جواز التكلم بمفردات اللغات الأخرى مع العربية للضرورة أو كانت المفردة ذائعة في الاستعمال.
عن أم خالد بنت خالد رضي الله عنها: (قالت أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصة سوداء، قال: "من ترون نكسوها هذه الخميصة؟" فأُسكت القوم، قال: "ائتوني بأم خالد" فأُتيّ بي النبي صلى الله عليه وسلم فألبسنيها بيده، وقال: "أبلي وأخلقي" مرتين، فجعل ينظر إلى علم الخميصة ويشير بيده إليّ ويقول: "يا أم خالد هذا سنا ويا أم خالد هذا سنا" والسنا بلسان الحبشية الحسن قال إسحاق: حدثتني امرأة من أهلي: أنها رأته على أم خالد والسنا بالحبشية: الحسن؟. رواه البخاري .
وفي رواية أخرى له: عن أم خالد بنت خالد، قالت: (قدمت من أرض الحبشة، وأنا جويرية، فكساني رسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة لها أعلام، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الأعلام بيده ويقول "سناه سناه". قال الحميدي: "يعني حسن، حسن) .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا، وطحنت صاعًا من شعير، فتعال أنت ونفر، فصاح النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا أهل الخندق إن جابرًا قد صنع سورًا، فحيّ هلا بكم). رواه البخاري .
في جواز استعمال العربية وغيرها في الر قية شرط دلالات الألفاظ
وعن زيد بن عبدالله قال: (عرضنا علي رسول الله صلي الله عليه وسلم رقية من الحمة فأذن لنا فيها وقال: "إنما هي مواثيق" والرقية: باسم الله شجة قرنية ملحة بحر).
رواه الطبراني، وقال الهيثمي: إسناده حسن
وفي راوية الحكيم الترمذي عن جابر رضي الله عنه ! (كان بالمدينة رجل يكني أبا مذكر يرقي من العقرب ينفع الله بها، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم، يا أبا مذكر ما رقيتك هذه أعرضها علي فقال أبو مذكر: شجة قرنية ملحة بحر قغطي فقال عليه السلام: لا بأس بها إنما هي مواثيق أخذها سليمان بن داود عليه السلام علي الهوام وهذه لغة حمير)
في بيان أن المبالغة في تقصي علم العربية والتوغل فيه دون الحاجة منهي عنه
عن عطاء قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ثم انتهوا، وتعلموا من العربية ما تعرفون به كتاب الله ثم انتهوا، وتعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر ثم انتهوا).
رواه البهيقي
الحديث الثاني والثلاثون:في بيان أن الاشتقاق اللغوي منصوص عليه بمصطلحه في الحديث النبوي
عن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل : أنا الرحمن، خلقت الحم وشققت لها من اسمي اسماً، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها بتته).
رواه أحمد والبخاري وأبو داود وابن حبان والطبراني
في بيان حقيقة تعدد الألفاظ للمعني الواحد وأنه موجود في العربية
عن ابن عباس أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: (أقرأني جبريل عليه السلام علي حرف، فراجعته، فلم أزل أستزيده فيزيدني حتي انتهي إلي سبعة أحرف" قال ابن شهاب: "بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الذي يكون واحداً، لا يختلف في حلال ولا حرام) .رواه مسلم
وفي رواية عن عبدالرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه: (أن جبريل قال للنبي صلي الله عليه وسلم : اقرأ القرآن علي حرف، فقال له ميكائيل : استزده، فقال: حرفين، ثم قال: استزده، حتي بلغ سبعة أحرف كلها كاف كقولك: هلم وتعال، ما لم يختم آية رحمة بآية عذاب، أو آية عذاب برحمة)
في بيان حكم المد وعدم قصر الممدود وأنه لحن
عن قتادة رضي الله عنه ! قال: (سألت أنس بن مالك ، عن قراءة النبي صلي الله عليه وسلم فقال: كان يمد مدا).
رواه البخاري
وفي راوية عن مسعود بن يزيد الكندي قال: (كان ابن مسعود يقرئ رجلاً، فقرأ الرجل: "(إنما الصدقات للفقراء والمساكين)" مرسلة. فقال ابن مسعود: ما هكذا أقرأنيها رسول الله صلي الله عليه وسلم، قال : كيف أقرأكها يا أبا عبدالرحمن؟ قال: أقرأنيها: "(إنما الصدقات للفقراء والمساكين) فمددها".
الحديث الخامس والثلاثون:في بيان جواز تعليم المرأة الكتابة العربية
عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة، أن الشفاء ابنة عبدالله رضي الله عنها، قالت: (دخل علينا رسول الله صلي الله عليه وسلم وانا قاعدة عند حفصة بنت عمر فقال: "ما يمنعك أن تعلمي هذه رُقية النملة كما علمتيها الكتابة")
رواه ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والطبراني والبهيقي
وعن عائشة بنت طلحة قالت: (قلت لعائشة – وأنا في حجرها – وكان الناس يأتونها من كل مصر، فكان الشيوخ ينتابونني لمكاني منها، وكان الشباب يتأخوني فيهدون إلي ويكتبون إلي من الأمصار، فأقول لعائشة : يا خالة، هذا كتاب فلان وهديته، فتقول لي عائشة: أي بنية فأجيبي وأثيبيه، فإن لم يكن عندك ثواب أعطيتك، فقالت : فتعطيني).
رواه البخاري .
في بيان أن البلاغة في الكلام
وسيلة من وسائل الانتصار علي الخصم
وهي محمودة في الحق مذمومة في الباطل
عن أم سلمة ، زوج النبي صلي الله عليه وسلم ، أن الرسول صلي الله عليه وسلم سمع جلبة خصم بباب حجرته، فخرج إليهم ، فقال: "إنما أنا بشر، وإنه يأتيني الخصم، فلعل بعضهم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنه صادق، فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم، فإنما هي قطعة من النار، فليحملها أو يذرها".
رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم
وفي رواية أخري بلفظ (ألحن) بدل (أبلغ) : (إنكم تختصمون إلي ، وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي بينكم علي نحو مما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها أسطاماً في عنقه يوم القيامة).
رواه ابن أبي شيبة وأحمد وابن ماجه والترمذي وقال: (حسن صحيح) ، و النسائي
في بيان أن إسماعيل عليه السلام أخذ العربية من قبيلة جرهم
لما نزلوا في أسفل مكة وجاوروا هاجر أم إسماعيل .
قال ابن عباس رضي الله عنه: (فألفي ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس، فنزلوا، وأرسلوا إلي أهليهم، فنزلوا معهم، حتي إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشب الغلام، وتعلم العربية منهم، وأنفسهم وأعجبهم حين شب، فلما أدرك؛ زوجوه امرأة منهم).
رواه البخاري .
وفي رواية أن أول من أبان في العربية إسماعيل عليه السلام فعن علي رضي الله عنه ! قال: ( أول من فتق الله لسانه بالعربية المبينة إسماعيل). رواه الزبير بن بكار بإسناد حسن ، وفي رواية عن أبي ذر مرفوعاً : (أنه أول من كتب بالعربية).
الحديث الثامن والثلاثون
في بيان طلب التيسير في اللغة، والأخذ بالتوسعة وتصحيح الكلام ما أمكن
عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (لقي رسول الله صلي الله عليه وسلم جبريل عليه السلام ! فقال : يا جبريل، إني بعثت إلي أمة أميين: منهم العجوز ، والشيخ الكبير، والغلام، والجارية، والرجل الذي لم يقرأ كتاباً قط. قال : يا محمد ، إن القرآن أنزل علي سبعة أحرف).
رواه الترمذي وقال: حسن صحيح
في بيان منزلة التأويل
"وهو نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلي ما يحتاج إلي دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ "
عن سعيد بن جبير ، أنه سمع ابن عباس، يقول: (وضع رسول الله صلي الله عليه وسلم يده بين كتفي- أو قال: علي منكبي- فقال "اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل).
رواه أحمد وابن حبان والطبراني والحاكم .
في بيان أن العرب تتفاوت لغاتها في أحيائها
عن عدي بن حاتم رضي الله عنه! قال: (لما نزلت: "حتي يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الأسود من الفجر" قال له عدي بن حاتم: يا رسول الله، إني أجعل تحت وسادتي عقالين: عقالاً أبيض وعقالاً أسود، أعرف الليل من النهار ، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إن وسادتك لعريض، إنما هو سواد الليل، وبياض النهار").
رواه الشيخان واللفظ لمسلم .
في مناقب العربية وأن الكتاب والسنة كانا بلسانها
عن عطاء، أن صفوان بن يعلي بن أمية ( أخبره أن يعلي كان يقول لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: ليتني أري نبي الله صلي الله عليه وسلم حين ينزل عليه، فلما كان النبي صلي الله عليه وسلم بالجعرانة، وعلي النبي صلي الله عليه وسلم ثوب قد أظل به عليه، معه ناس من الصحابة، فيهم عمر، إذا جاءه رجل عليه جبه صوف، متضمخ بطيب، فقال : يا رسول الله ، كيف تري في رجل أحرم بعمره في جبه بعدما تضمخ بطيب؟ فنظر إليه النبي صلي الله عليه وسلم ساعة، ثم سكت، فجاءه الوحي ، فأشار عمر بيديه إلي يعلي بن أمية: تعال، فجاء يعلي، فأدخل رأسه، فإذا النبي صلي الله عليه وسلم محمر الوجه، يغط ساعة، ثم سري عنه، فقال: "اين الذي سألني عن العمرة آنفاً؟" فالتمس الرجل ، فجئ به، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات، وأما الجبة فانزعها، ثم اصنع في عمرتك، ما تصنع في حجك).
رواه الشيخان
في بيان منزلة التأويل
"وهو نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلي ما يحتاج إلي دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ "
عن سعيد بن جبير ، أنه سمع ابن عباس، يقول: (وضع رسول الله صلي الله عليه وسلم يده بين كتفي- أو قال: علي منكبي- فقال "اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل).
رواه أحمد وابن حبان والطبراني والحاكم .