تمهيد:
إن اللغة العربية حاضرة في مسائل العقيدة الإسلامية حضوراً قوياً؛ مما أحوج إليها في تدقيق بعض المباحث، ولاسيما ما يتعلق منها بالأسماء والصفات وما يليق بذات الله عز وجل تنزيهاً؛ قال أ.د. صالح العايد: "إن سلامة المعتقد تنبع من الصواب في فهم اللغة العربية؛ لإن الانحراف في تأويل اللغة يؤدي إلي الزيغ والضلال في العقيدة" ؛ وذلك لأن النبي صلي الله عليه وسلم جاء عنه أنه قال في حق من لحن من العرب: "أرشدوا أخاكم، فإنه قد ضل" ولفظة "ضل" لا تستعمل إلا في الأمور الكبيرة مثل العقائد؛ وهو صريح في أن معظم العقائد المنحرفة كانت بسبب اللحن في العربية، والتأويل السيئ للنصوص الشرعية، والخروج عن مراد الله بكثرة المجاز، والاستعارة.
وقد روي أن أبا عمرو بن العلاء كان يقول: العلم بالعربية هو الدين بعينه، فبلغ ذلك عبدالله بن المبارك، فقال : صدق ؛ لأني رأيت النصاري قد عبدوا المسيح لجهلهم بذلك، فقال، قال الله تعالي: "أنا ولدتك من مريم وأنت نبيي" فحسبوه يقول: "أنا ولدتك وأنت بُنيي" فبتخفيف اللام وتقديم الباء، وتعويض الضمة بالفتحة كفروا" .
وهذا السر العجيب في أن تزندق عدد من الناس بالعراق؛ لضحالة العربية عندهم.
قال الزهري : "إنما أخطأ الناس في كثير من تأويل القرآن لجهلهم بلغة العرب. قال أبو عبيد: سمعت الأصمعي يقول: سمعت الخليل بن أحمد يقول: سمعت أبا أيوب السختياني يقول: عامة من تزندق بالعراق؛ لقلة علمهم بالعربية".
مثال علي ذلك: في توحيد الله تعالي في أسمائه وصفاته، أن يكون توحيده من غير تحريف، وهو التغيير والتبديل، كتحريف ألفاظ الأسماء والصفات بزيادة، أو نقصان، أو تغيير الحركات الإعرابية، أو تحريف معناها؛ مما سماه بعض المبتدعين تأويلاً؛ وهو حمل اللفظ علي معني فاسد لم يعهد به استعمال في اللغة؛ كتحريف بعضهم لقوله تعالي : "وكلم الله موسي تكليماً" "النساء" بقراءتها "وكلم الله موسى تكليما" أي : أن موسي هو الذي كلم الله لا العكس! بنصب لفظ الجلالة؛ ابتغاء نفي صفة الكلام عن الله عز وجل.
ثم إن القرآن الكريم دعانا للتدبر، فقال تعالي : (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) "النساء: 82". هو القائل : (إنا جعلناه قرءانا عربياً لعلكم تعقلون) " الزخرف: 3"
قال أبو الحسن الأشعري: "ولو كان القرآن بلسان غيرالعرب لما أمكن أن نتدبره ولا أن نعرف معانيه إذا سمعناه، فلما كان من لا يحسن لسان العرب لا يحسنه، وإنما يعرفه العرب إذا سمعوه، علي أنهم علموه؛ لأنه بلسانهم".
وقال الحافظ الناقد عثمان بن سعيد الدرامي في رده علي المريسي: "ونحن قد عرفنا بحمد الله تعالي من لغات العرب هذه المجازات؛ التي اتخذتموها دلسة وأغلوطة علي الجهال، تنفون بها عن الله حقائق بعلل المجازات، غير أنا نقول: لا يحكم للأغرب من كلام العرب علي الأغلب، ولكن نصرف معانيها إلي الأغلب حتي يأتوا ببرهان أنه عني بها الأغرب، وهذا هو المذهب الذي إلي العدل والإنصاف أقرب".
من غير مين، فالعقيدة الإسلامية لا تفهم علي حقيقتها إلا باستيعاب اللسان العربي، والسيطرة علي مسائله وقواعده، وهو مفتاح معرفة قضايا العقائد، علي النحو الصحيح من غير إفراط أو تنطع. ولأن موضوعات العقيدة تستمد من الكتاب الذي أنزل بلسان عربي مبين والسنة المطهرة التي أضيفت إلي النبي العدنان صلي الله عليه وسلم أفصح من نطق بالضاد. ولذلك كانت معظم محاور العقيدة مفهومة لدي جيل الصحابة والتابعين؛ الذين لم تتسلل إليهم العُجمة مطلقاً ، فبقيت علي براءتها وصفائها ؛ وذلك خلال خير القرون، وعز حقبة السلف الصالح.
قال ابن قيم الجوزية " قد تنازع الصحابة في كثير من مسائل الأحكام، وهم سادات المسلمين، وأكمل الأمة إيماناً. ولكن- بحمد الله- لم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال، بل كلهم علي إثبات ما نطق به الكتاب العزيز، والسنة النبوية كلمة واحدة من أولهم إلي آخرهم، لم يسموها تأويلاً، ولم يحرفوها عن مواضعها تبديلاً، ولم يبدوا لشيء منها إبطالاً، ولا ضربوا لها أمثالاً، ولم يوقعوا في صدورها، وإعجازاها".
يقول المقريزي في خططه: "إن القرآن الكريم قد تضمن أوصافاً لله تعالي، فلم تثر التساؤل عند واحد من العرب بعامة قرويهم وبدويهم، ولم يستفسروا عن شيء بصددها كما كانوا يفعلون في شأن الزكاة، والصيام، والحج، وما إليه. ولم يرد في دواوين الحديث، وآثار السلف أن صحابياً سأل رسول الله صلي الله عليه وسلم عن صفات الله، أو اعتبرها صفة ذات، أو صفة فعل، وإنما اتفقت كلمة الجميع علي إثبات صفات أزلية لله تعالي من علم، وقدرة، وحياة، وإرادة، وسمع، وبصر ، وكلام".
قال ابن جني: " أكثر من ضل من أهل الشريعة عن القصد فيها، وحاد عن الطريقة المثلي إليها، إنما استهواه، واستخف حلمه، ضعفه في هذه اللغة الكريمة الشريفة".
وقال أبو عبيد: "سمعت الأصمعي يقول: سمعت الخليل بن أحمد يقول: سمعت أبا أيوب السختياني يقول : "عامة من تزندق بالعراق؛ لقلة علمهم بالعربية".
وقال الزهري: "إنما أخطأ الناس في كثير من تأويل القرآن؛ لجهلهم بلغة العرب".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولهذا تجد المعتزلة، والمرجئة، والرافضة، وغيرهم من أهل البدع، يفسرون القرآن برأيهم ومعقولهم، وما تأولوه من اللغة، ولهذا تجدهم لا يعتمدون علي أحاديث النبي صلي الله عليه وسلم، والصحابة، والتابعين، وأئمة المسلمين، فلا يعتمدون لا علي السنة ولا علي إجماع السلف وآثارهم، وإنما يعتمدون علي العقل واللغة، وتجدهم لا يعتمدون علي كتب التفسير المأثورة، والحديث، وآثار السلف، وإنما يعتمدون علي كتب الأدب ، وكتب الكلام التي وضعها رؤوسهم ، وهذه طريقة الملاحدة أيضاً، إنما يأخذون ما في كتب الفلسفة وكتب الأدب واللغة، وأما كتب القرآن والحديث، والآثار فلا يلتفتون إليها، هؤلاء يعرضون عن نصوص الأنبياء؛ إذ هي عندهم لا تفيد العلم، وأولئك يتأولون القرآن برأيهم وفهمهم بلا آثار عن النبي صلي الله عليه وسلم، وأصحابه".