العلم باللغة العربية وأ سرارها شرط من شروط التفسير

العلم باللغة العربية وأ سرارها شرط من شروط التفسير

المقدمة

روي البيهقي :في (شعب الإيمان) عن الإمام مالك بن أنس الأصبحي أنه قال: (لا أوتي برجل غير عالم بلغة العرب يفسر القرآن إلا جعلته نكالاً).
وقال مجاهد: لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله؛ إذا لم يكن عالماً بلغات العرب.
وقال العلامة أبو إسحاق الشاطبي: (من أراد تفهم القرآن فمن جهة لسان العرب يفهم، ولا سبيل إلي طلب فهمه من غير هذه الجهة).
وأخرج ابو عبيدة عن يحي بن عتيق قال : قلت للحسن : يا أبا سعيد ! الرجل يتعلم العربية يلتمس بها حسن المنطق، ويقيم بها قراءته؟
قال: ( حسن يا بن أخي، فتعلمه؛ فإن الرجل يقرأ الآية فيعيا بوجهها فيهلك).
وقال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري : (وأول ما نبدأ به من القيل في ذلك الإبانة عن الأسباب التي البداية بها أولي، وتقديمها قبل ما عداها أحري، وذلك البيان عما في القرآن من المعاني التي من قبلها يدخل اللبس علي من لم يعان رياضة العلوم العربية، ولم تستحكم معرفته بتصاريف وجوه منطق الألسن السليقة الطبيعية).

العلوم الضرورية للمفسر

وقد عدَّ جلال الدين السيوطي العلوم التي يحتاجها المفسر ، وشرحها في الاتقان، والملاحظ أن معظمها تتصل بعلوم العربية، وبها بدأ حديثها؛ فقال : العلوم التي يحتاجها المفسر خمسة عشر علماً:
أحدها: اللغة؛ لأن بها يعرف شرح مفردات الألفاظ ومدلولاتها بحسب الوسع، قال مجاهد: لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالماً بلغات العرب. ولا يكفي في حقه معرفة اليسير منها، فقد يكون اللفظ مشتركاً، وهو يعلم أحد المعنيين، والمراد الآخر.
الثاني : النحو؛ لإن المعني يتغير ويختلف باختلاف الإعراب، فلا بد باعتباره.
الثالث: التصريف؛ لأنه به تعرف الأبنية والصيغ، قال ابن فارس: ومن فاته علمه فاته المعظم، فحين نجد مثلاً كلمة مبهمة؛ فإذا صرفناها اتضحت بمصادرها.
الرابع: الاشتقاق؛ لأن الاسم إذا كان اشتقاقه من مادتين اختلف باختلافهما؛ كالمسيح هل هو من السياحة، أو المسح.
الخامس والسادس والسابع: المعاني والبيان والبديع؛ لأنه يعرف بالأول خواص تراكيب الكلام من جهة إفادتها للمعني ، وبالثاني خواصها من حيث اختلافها بحسب وضوح الدلالة، وحقائقها، وبالثالث وجوه تحسين الكلام، وهذه العلوم الثلاثة هي علوم البلاغة، وهي من أعظم اركان المفسر؛ لأنه لا بد له من مراعاة ما يقتضيه الإعجاز، وإنما يدرك بهذه العلوم.

ما هي فائدة توافر هذه العلوم لدي المفسر؟

إن فائدة توافر هذه العلوم لدي المفسر تتمثل فيما يأتي:
1- الفهم الحقيق لألفاظ القرآن الكريم.
2- الوصول إلي ما في القرآن من حسن، وبديع.
3- الترجيح بين الأقوال المختلفة في تفسير الآية.
4- استنباط بعض الأحكام بمقتضي القواعد النحوية، واللغوية.
5- الوقوف علي المشترك من الألفاظ والترادف، وعلي الحقيقة ، والمجاز.

السر في اشتراط العلم باللغة العربية

إن القرآن نزل بلسان العرب، وإنه عربي، وإنه لا عجمة فيه، بمعني أنه أنزل علي لسان معهود العرب في ألفاظها الخاصة، وأساليب معانيها، وأنها فيما فطرت عليه من لسانها: تخاطب بالعام يراد بها ظاهره، وبالعام يراد به العام في وجه، والخاص في وجه، وبالعام يراد به الخاص، والظاهر يراد به غير الظاهر. وكل ذلك يعرف من أول الكلام ، أو أوسطه، أو آخره، وتتكلم بالكلام ينبئ أوله عن آخره، وآخره عن أوله، وتتكلم بالشيء يعرف بالمعني، كما يعرف بالإشارة، وتسمي الشيء الواحد بأسماء كثيرة، والأشياء الكثيرة باسم الواحد، وكل هذا معروف عندها، لا ترتاب في شيء منه هي ، ولا تعلق بعلم كلامها.
وهذا السر في أننا اليوم- أكثر من أي وقت مضي- في أمس الحاجة لتعلم لسان العرب، ولغاتها؛ لتمام الوصول مع كتاب الله ما ذكره العلامة الأزهري في (تهذيب اللغة) فقال: "نزل القرآن الكريم، والمخاطبون به قوم عرب، أولو بيان فاضل، وفهم بارع... فتدربوا به يعرفون وجوه خطابه، ويفهمون وجوه نظامه، ولا يحتاجون إلي تعلم مشكله وغريب ألفاظه؛ حاجة المولدين الناشئين، وبين النبي صلي اله عليه وسلم للمخاطبين من اصحابه ما عسي الحاجة إليه من معرفة بيان لمجمل الكتاب، وغامضه، ومتشابهه... فاستغنوا بذلك عما نحن إليه محتاجون من معرفة لغة العرب، والتبحر فيها، والاجتهاد في تعلم لسان العرب ولغاتها؛ التي بها تمام التوصل إلي معرفة ما في الكتاب".


عامة ضلال أهل البدع في التفسير بسبب الجهل بالعربية

عامة ضلال أهل البدع في التفسير بسبب الجهل بالعربية

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
"لا بد في تفسيرالقرآن والحديث من أن يعرف ما يدل علي مراد الله ورسوله من الألفاظ، وكيف يفهم كلامه، فمعرفة العربية التي خوطبنا بها مما يعين علي أن نفقه مراد الله ورسوله بكلامه، وكذلك معرفة دلالة الألفاظ علي المعاني؛ فإن عامة ضلال أهل البدع كان بهذا السبب؛ فإنهم صاروا يحملون كلام الله ورسوله علي ما يدعون أنه دال عليه، ولا يكون الأمر كذلك".