الجهل بالعربية قائد صاحبه للضلال، وهذا ما يحدث به الماضي والحاضر، فهي آلة الفهم، ومفتاح الباب، ودوال الطريق، وقد جاء ما يبين أن الجهل بأحكامها كان عند بعض الناس في عصر النبوة فأبان لهم حالهم منها، وهذا بيان ذلك:
أولاً : وصف النبي لمن لا يعرف العربية بالضلال.
جاء في الحديث أن النبي صلي الله عليه وسلم سمع رجلاً لحن في الكلام، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم منبهاأصحابه: (أرشدوا أخاكم)
وهذا فعل لا يستغرب من القادة والعظماء؛ إذ إنهم يرون أن الحفاظ علي لغتهم هي قضية كبري، لا تهمل ، ولا تؤجل.
وزادت روايات بعض اللغويين، ومنهم الحفاظ كالأسيوطي (911هـ): الحكم بالضلال علي من تلبس بهذا المقام فرووا عنه: (أرشدوا أخاكم فقد ضل)
والضلال ضد الهداية، فمن لم يعرف أحكام العربية ضل في فهم شرع الله، فأحكام الشرع متوقفة علي فهم هذا الأصلالعظيم، وعلي هذا نبه العلماء،
قال الشافعي:(204هـ) رحمه الله: "ومن علمه(أي لسان العرب) انتفت عنه الشبه التي دخلت علي من جهل لسانها" .
وقال بعض أهل الأصول: "اعلم أن (الألفاظ) لا بد من الاعتناء بها؛ لأن الشريعة عربية، وقد نزل القرآن بلسان العرب وجاءت السنة بلسانهم" .
الحاكم في "المستدرك" برقم (3643)، وقال: "صحيح الإسناد لم ويخرجاه"، وعلق عليه الذهبي ب (صحيح)، وانظر "إتحاف المهرة": رقم (16136).
-" مراتب النخويين":1، "الخصائص": 2/8، "نثر الدر": 5/176، "المزهر": 2/341،"الاقتراح": "البلغة إلي أصول اللغة": 148. ومن أخطاء المققين للكتب اللغوية أنهم ينسبون بهذه الزيادة للحاكم في مستدرجه، وليس صحيحاً وجوده فيها.
- الرسالة: 20.
- "قواطع الأدلة": 1/280.
وإن كان هو نفسه قد وقع في ضلال معتقدات المعتزلة- نعوذ بالله من ذلك! قال: "وذلك أن أكثر من ضل من أهل الشريعة عن القصد فيها وحاد عن الطريقة المثلى إليها فإنما استهواه (واستخف حلمه) ضعفه في هذه اللغة الكريمة الشريفة التي خوطب الكافة بها"
وقد وقع في هذه الطامة الكبري بعض المعاصرين فتجرأوا علي شرع الله وأحكام الإسلام، وهم أجهل الناس باللغة، بل رأيت أحدهم الف كتاب في إنكار الحجاب، ولا يحفظ آية الحجاب، ورأيت آخر يلبس علي الناس، وينفرد بآراء شاذة وأقوال مظلمة، وهو لا يحسن معرفة التفريق بين المبتدأ والخبر، وبين الحال والتمييز.
وليس محل الإنكار فقط وضوح ضلالاتهم المظلمة الكاذبة، أو أدعائهم مقام الفهم والإجتهاد، بل يحزن كل غيور علي دينه أن تفرد لهم الحلقات المطولة في الإذاعات، وتخصص لهم المساحات الملونة في الصحف والمجلات، ويدافع عنهم بدعوة حرية التعبير، وتمنح لهم الجوائز والحصانات تحت مسمي التجديد والتنوير، وهم محل الجهل، وموطن الضعف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية(728هـ) رحمه الله: " فإن نفس اللغة العربية من الدين ومعرفتها من الواجب فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" .
- "الخصائص": 3/245.
- "اقتضاء الصراط المستقيم": 1/527
روي عن عدي ابن حاتم رضي الله عنه ( أن رجلاً خطب عن النبي صلي الله عليه وسلم فقال: من يطع الله ورسوله، فقد رشد، ومن يعصهما، فقد غوي، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : "بئس الخطيب أنت، قل : ومن يعص الله ورسوله") .
وفي رواية الشافعي وأبي داود: (اسكت، فبئس الخطيب أنت) .
وفي راوية أخري لأبي داود: فقال : (قم –أو اذهب- بئس الخطيب أنت) .
وهذا يبين أن من أخطأ في أحكامها وتصدر أمر الناس في شيء متعلق بها كالخطابة فإنه يؤدب بالتعزير كما فعل النبي صلي الله عليه وسلم.
فالتوبيخ درجة من درجات التعزير، زنوع من أنواع العقاب.
قال الإمام الجويني(478هـ) رحمه الله " عن مراتب العقاب،ثم الأئمة بعد ذلك: ليس للإمام أن يبتدر الضرب بل يرعي في ترتيب التأديب من التدرج والاكتفاء بأقل المراتب ما يرعاه الدافع في الاقتصار علي حاجة (الدفع)"، حتي إن علم إن التوبيخ بالكلام كاف ، اكتفي به، وإن لم يره ناجعاً ترقى إلي (التعنيف)فيه، ثم يرقى من هذه المرتبة إلي ما يري من حبس، أو دفع في الصدر، أو ما جري هذا المجري، ثم هكذا إلي أن ينتهي رأي" .
- "المسند الصحيح": (48-870).
- "مسند الشافعي": 67،"سنن أبي داود": (1119).
-"سنن أبي داود": (1101).
- "نهاية المطلب في دراية المذهب": 17/362.